(الانتيكات)..خفايا..وغرائب وأسرار

(الانتيكات)..خفايا..وغرائب وأسرار



تجارة التحف و(الانتيكات) في بغداد من اقدم الهوايات، وبرغم العوامل العديدة التي أثرت في حركة هذه السوق صعودا وهبوطا في فترات معينة لاسيما بعد سقوط النظام السابق، ما زال لتجارة (الانتيكات) بريقها وجاذبيتها الخاصة لدى طبقات وفئات معينة من الناس.
وفي مقابل ذلك ما زالت بعض الأسر العراقية تتوارث تمسكها بهذه الهواية التي أخذتها من الآباء والأجداد.
تجارة وأسرار
لتجارة التحف والانتيكات وسوقها اسرار وقواعد لا يعرفها الا قلة من الخبراء. وهي مثل أي سوق لها مواسم، وفيها الأصلي والمقلد والنادر، ومنتجاتها قد تكون من انتاج معامل  عالمية عريقة مشهورة  ممهورة بأناملهم.
(مجلة الشبكة العراقية) تجولت في (محال) ومعارض بغداد المختصة في هذا الشأن للتعرف على بعض اسرار هذه المهنة من أفواه أصحابها.
أسرار المهنة
لا بد من التمييز بين كلمة (انتيك) وكلمة (تحف) في مصطلحات تجار التحف والانتيكات في بغداد.
فكلمة (انتيك) تعني القطع الأثرية القديمة التي يفوق عمرها المائة سنة، فتشمل مقتنيات القرن التاسع عشر الميلادي وما قبله من العصور الاسلامية.
في جولتنا هذه سألنا الحاج عبد الأمير محسن أحد أشهر تجار التحف في منطقة الميدان، عن أفضل ما يحويه محله ومن أين جلب القطع النادرة المعروضة في محله فقال: تجد في هذا المحل الأباريق والتماثيل والصناديق والأدوات الصغيرة، وأجود أنواع التحف الفضية عموماً هي التحف الانكليزية ثم التركية فالروسية فالفرنسية.  وعن مميزات كل قطعة ومعرفة الأصلي من المقلد منها، يقول زميله أحمد البهادلي تتميز كل قطعة أو تحفة بتاريخ صناعتها واسم صانعها والمادة المصنوعة، وأيضا الألوان ومقاييس الحجم ونسبه، وكلها معايير تخفض أو ترفع من سعر التحفة وقيمتها.
واضاف البهادلي: الخبرة هنا يتوارثها تجار المهنة عن أسلافهم، وأيضا باستعانتهم بمعلومات الدليل العالمي الخاص بالتحف الذي يستدل منه على مكانة كل قطعة وأصالتها، والكثير من القطع التحفية والانتيكات قد تم اخراجه  ونقله من الاسواق العراقية الى دول الاخرى بعد سقوط النظام السابق, أما عن طريق البيع أو التهريب.
الانتيكات المزورة
وبشأن القطع المزورة أو المقلدة، قال أحمد الشيخلي الذي ورث هذه المهنة عن والده: لم تظهر في الاسواق العراقية هذه الانتيكات المزورة الا بعد سقوط النظام السابق, وظهور طبقة جديدة من الاغنياء لم يكن من السهل عليها التعرف على أصلية القطعة، ويحدث هذا غالبا أثناء المزادات ومع دخول تجار جدد دخلاء على المهنة.  ويضيف الشيخلي: أكثر القطع التي يسهل تزييفها هي اللوحات التشكيلية والزجاجيات والخزف الصيني، أما الأخشاب والأثاث وبعض التماثيل فيصعب تقليدها لأنه من السهل تمييز خاماتها ان كانت اصلية قديمة أو جديدة.
لذلك يجب الانتباه والحذر عند شراء اللوحات والتماثيل والأثاث والتأكد من أنها تحمل تواقيع صانعيها من الفنانين العالميين أو المعامل الشهيرة.
صناعة يدوية
المحال البغدادية مليئة بالتحف والمقتنيات يدوية الصنع وبأيد عراقية تجد طريقها الى الأسواق العالمية لاسيما دول الخليج العربي.. وأغلب دول العالم ويعتبر الشتاء هو الموسم الحقيقي لهذه التجارة المحببة لعشاق الانتيكات في بغداد، لأنها تتميز بصناعات عراقية، مازالت تجوب متاحف العالم تعبر عن حضارة وادي الرافدين.
خصلات شعر الوصي
ويحتفظ الحاج غازي القيسي بقلادة الملك فيصل الأول، ويرفض اغراءات الجهات المعنية لشرائها منه لأنه يعدها جزءاً من مقتنيات وتراث عائلته.
ويحتفظ محمد الحاج بخصلات من شعر الوصي عبد الاله عندما استقدموا الحلاق المرحوم (حكمت الحلي) حلاق الملوك والرؤساء آنذاك لحلاقة شعر الوصي.
ومن خلال جولتنا هذه أكد أصحاب المحال إن الانتيكات هي تجسيد لتقاليد المجتمع العراقي وتاريخه الحضاري وما يمثله من ارث شعبي قديم يتجسد لابنائه فضلا عما تحويه هذه الانتيكات من صناعات حرفية قديمة مأخوذة من الماضي البعيد أو القريب.
سوق الصفافير
حسين الأسدي، صاحب محل متخصص في بيع الانتيكات والتراثيات، قال: هناك إقبال من قبل المواطنين على الانتيكات، مؤكدا أنه بالرغم من ارتفاع أسعارها فإن الإقبال على شرائها كبير جدا، مضيفا ان أكثر الانتيكات رواجا في السوق هي الدلال المصنوعة من النحاس، موضحا ان أفضل هذه الدلال المصنوعة محليا في سوق الصفافير ببغداد على يد بعض العاملين المهرة ومنهم الحاج المرحوم ابو تراب الذي يعد الأقدم في سوق الصفافير, وهو الذي صنع بيده الماهرة الكؤوس التي منحت إلى أبطال العالم في كمال الأجسام في البطولة التي أقيمت في سبعينات القرن الماضي على مسرح سينما النصر.
قدح بريطاني
ويضيف الاسدي: ان أصحاب محال الانتيكات غالبا ما يشترون هذه التحف من الناس الذين يحتفظون بالمقتنيات القديمة، من اسواق الجمعة  في الباب الشرقي أو سوق النهضة بعد ان يقوموا بتنظيفها وتلميعها او من بعض أفراد العوائل البغدادية  التي مازالت تحتفظ بالقطع التراثية التي توارثتها  عن آباهم وأجدادهم.
عمر الاعظمي, احد هواة التحف والانتيكات عبر عن إعجابه بهذه المقتنيات مؤكدا انه يحتفظ بقطع نادرة يعود عمرها إلى أكثر من (55) عاما، وهي من زمن الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم، وكان قد حصل عليها من احد المواطنين القاطنين في منطقته آنذاك, كذلك قطع أخرى بينها قدح من الجيش البريطاني وعملات يعود عمرها إلى (100) عام مضت.
تحف مقلدة
أما الحاج أبو أحمد، صاحب محل أنتيكات، في محلة الميدان فيقول: أيام زمان كان زبائن الأنتيكات من أبناء الأسر الغنية الذين يسكنون القصور، وكانوا يشترون تلك القطع ليزينوا بها قصورهم او منازلهم، أما الآن فالزبائن من كل الطبقات.
وأضاف: اليوم أصبح شراء الأنتيكات متاحا لجميع الطبقات لأن التحف المقلدة دخلت إلى الأسواق العراقية،لاسيما تلك المستوردة من دول شرق آسيا، وبالتالي، بات ممكنا شراء بعض التحف الجميلة بسعر بسيط.

كريم هاشم العبودي